إثنين الرماد «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 6: 16-21)
16 ومَتَى صُمتُم، لا تُعَبِّسُوا كَالمُرَائِين، فَإنَّهُم يُنَكّرُونَ وُجُوهَهُم لِيَظهَرُوا لِلنَّاسِ أنَّهُم صَائِمُون. ألَحَقَّ أقولُ لَكُم: إنَّهُم قَد نَالُوا أجرَهُم.
17 أمَّا أنتَ، مَتَى صُمتَ، فادهُنْ رَأسَكَ، واغسِلْ وَجهَكَ،
18 لِئَلَّا تَظهَرَ لِلنَّاسِ أنَّكَ صَائِم، بَل لأبيكَ الّذي في الخَفَاء، وأبوكَ الّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك.
19 لا تَكنزوا لَكُم كُنوزًا على الأرض، حَيثُ العُثُّ والسُّوسُ يُفسِدان، وَحَيثُ اللُّصُوصُ يَنقُبُونَ ويَسرِقون،
20 بَلِ اكنزُوا لَكُم كُنوزًا في السَّمَاء، حَيثُ لا عُثَّ ولا سُوسَ يُفسِدَان، وحَيثُ لا لُصُوصَ يَنقُبُونَ ويَسرِقون.
21 فَحَيثُ يَكُونُ كَنزُكَ، هُنَاكَ يَكُونُ أيضَا قَلبُكَ.
أوّلاً قراءتي للنصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم عنوانان، الأوّل"في الصوم" (16-18)؛ والثاني "الكنز الحقيقيّ" (19-20) لهذا الأخير نصّ موازٍ في لوقا (12: 33-34)، حيث "الكنز الحقيقيّ" محدّد بأعمال الصدقة.
تحت العنوان الأوّل "في الصوم" (16-18)، يوصينا الربّ، إذا ما صمنا، بأن نصوم، لا لِلناس، بل لله (زك 5:7)؛ ليس الصوم للتظاهر وللمجد الباطل، لمجرّد كونه مختصًّا بالأكل والشرب فقط، و بالتالي بعلاقة الإنسان بالكون، بعلاقته القائمة على حاجة حياتيّة، اساسيّة وملحّة؛ فالصوم انقطاع عن الأكل والشرب لفترة محدّدة (قبل الظهر)؛ وقد تتمّ ممارسته بالانقطاع عن نوع أو كَمّ من المأكول أو المشروب، ولفترات أطول أو أقصر من الوقت؛ ولكنّ الأهمّ في الصوم، بمفهومه الميسيحيّ، ليس في هذه الكيفيّات الماديّة والخارجيّة، بل هو بانفتاح الصائم على الله، لمعرفة مشيئته، وبهدف العمل بهذه المشيئة؛ في هذا الانفتاح يجد صومنا مبرّره، ولا يعود يقتصر على تعبيراته الخارجيّة؛ ومن هذا الانفتاح يأخذ صومنا قيمته اللاهوتيّة والروحيّة، ويستحقّ لنا مكافأة الله ومجازاته.
وتحت العنوان الثاني "الكنز الحقيقي" (19-20)، تعليم الربّ يتوضّح بالأفكار التالية.
قد أُعطيَ للإنسان (لكلٍّ منّا) أن يكتسب، بفعله، المزيد على مستوى "ما هو"، وعلى مستوى "ما له"؛ هذا المزيد هو "الكنز"، هو منتوج الإنسان الشخصيّ، وثمرة جهده مدى الحياة؛ لذالك توجد علاقة وثيقة وحميمة لدى الإنسان، بين كنزه و بين قلبه. حيث كنزه يكون قلبه.
لكنّ الربّ يدعونا إلى تمييز كنوز الأرض، غير الحقيقيّة، لأنّها عرضة للفساد بفعل العثّ والسوس، وللسرقة على يد اللصوص، من كنوز السماء، الحقيقيّة، لأنّها غير معرَّضة، لا للفساد ولا للسرقة.
على أساس هذا التمييز، يأمرنا الربّ بأن لا نكنز لنا كنوزًا على الأرض، لأنّها ليست حقيقيّة، كما رأينا، ومؤدّية بالتالي إلى الفشل والخيبة، وبأن نكنز لنا كنوزًا في السماء، لأنّها وحدها حقيقيّة؛ وبأنْ نتخلّى عن تلك ونحوّلها إلى هذه من طريق الصدقة (لو 33:12).
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
كان على اليهود أن يصوموا بعيد التكفير (لا 29:16؛27:23)؛ وكان الفرّيسيون يمارسون أصوامًا أخرى اختياريّة، مرّتين في الأسبوع (لو 21:18).
لم يُعِر يسوع اهتمامًا بممارسات الصوم هذه (متى 14:9-17)، ولم يرفض الصوم، في حدّ ذاته، بل في الوقت غير المناسب (ما دام العريس معهم ...)؛ وهنا يهاجم يسوع الطريقة التي بها يمارس الصوم: تظاهرًا للنّاس.
يشدّد يسوع على معنى الصوم الحقيقيّ، انفتاح جذريّ على الله الذي ننتظر منه كلّ شيء؛ فشأن الصوم شأن الصلاة والصدقة يجب أن يتمّ ببساطة، ومن دون مظاهر خارجيّة.
الآيات (19-20)
على تلميذ الربّ أن يتّخذ القرار، أن يختار بين كنز وكنز، بين نظرة ونظرة، بين خدمة وخدمة. هناك كنوز على الأرض، ولكنّها في خطر! من الحكمة والفطنة اتّخاذ القرار بعدم التعلّق بها، لتجنب التعرّض إلى الخطر الكامن فيها.
الأب توما مهنّا