حب يسوع قادر على الحفاظ على حب الأزواج وتجديده «أضواء

لمناسبة عيد ارتفاع الصليب، الذي يُحتفل به في الرابع عشر من أيلول سبتمبر، ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد الذبيحة الإلهية في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، وتخللها الإحتفال برتبة زواج عشرين ثنائياً.

ألقى البابا عظة للمناسبة قال فيها: تحدثنا القراءة الأولى عن مسيرة الشعب في البرية. دعونا نفكر بهؤلاء الأشخاص السائرين في البرية بقيادة موسى. كانوا عبارة عن عائلات: آباء، أمهات، أجداد، رجال ونساء من مختلف الأعمار فضلاً عن العديد من الأطفال والعجزة.

هذا الشعب يجعلنا نفكر بالكنيسة السائرة في برية عالم اليوم، يجعلنا نفكر بشعب الله المؤلف بمعظمه من العائلات. هذا ما يحملنا على التفكير بالعائلات، بعائلاتنا السائرة يومياً على دروب الحياة والتاريخ. لا يسعنا أن نتصور حجم القوة والزخم الإنساني الموجود في العائلة: المساعدة المتبادلة، المرافقة التربوية، العلاقات التي تنمو مع نمو الأشخاص، مقاسمة الأفراح والمصاعب. لكن العائلة هي المكان الأول الذي ننمو فيه كأشخاص كما أنها في الوقت نفسه الحجارة اللازمة لبناء المجتمع.

بالعودة إلى الرواية البيبلية، تابع البابا يقول، نرى أن الشعب لم يعد يحتمل السفر، فقد تعب الناس وعطشوا، وسئموا من تناول الـ"منة" هذا الطعام الذي وفّره لهم الله. فراحوا يتذمرون ويعترضون على الله وموسى وواجهوا تجربة العودة إلى مصر والتخلي عن هذه الرحلة. هذا يحملنا على التفكير بالأزواج الذين "لا يحتملون مشقة سفر" الحياة الزوجية والعائلية. فيصبح تعب السفر تعباً داخلياً، ويفقدون طعم الزواج ولا يشربون من مياه ينبوع السرّ. فتُلقي الحياة اليومية بثقلها عليهم.

في هذه الفترة من الضياع – يقول الكتاب المقدس – تأتي الأفاعي السامة فتميت العديد من الأشخاص. وهذا ما حمل الشعب على التوبة، وطلب المغفرة من موسى طالبا منه أن يصلّي للرّبّ كي يبعد هذه الأفاعي. فتوسل موسى إلى الرّبّ، الذي قدم الدواء الشافي: أفعى برونزية معلقة على عامود، من ينظر إليها يشفى من سم الأفاعي القاتل. ما يعني هذا الرمز؟ تابع البابا متسائلاً. لم يقض الله على الأفاعي بل قدم دواء مضادا لسمومها من خلال هذا الرمز الذي صنعه موسى أشعت قوة الله الشافية، التي هي رحمته وهي أقوى من سم المجرّب.

إن يسوع، كما سمعنا في إنجيل اليوم، قارن نفسه مع هذا الرمز: فإن الآب وبدافع المحبة، أعطى للبشر ابنه الوحيد كي تكون لهم الحياة. والحب الكبير للآب حمل الابن يسوع على التجسد، على أن يصير خادماً، ويموت من أجلنا على خشبة الصليب. ولهذا السبب أقامه الآب من الموت وأعطاه سلطانا على الكون كله. من يتوكل على يسوع المصلوب ينال رحمة الله التي تشفي من السم القاتل للخطيئة.

إن الدواء الذي وفّره الله للشعب ينطبق أيضا على الأزواج الذين "لا يحتملون المسيرة"، وتسممهم تجربة فقدان الشجاعة، والخيانة والتقهقر والهجر. لقد أعطاهم الله الآب ابنه يسوع، لا ليدينهم بل ليخلّصهم: إذا ما أوكلوا أنفسهم إليه، فهو يشفيهم بمحبته الرحومة النابعة من صليبه، بقوة النعمة التي تجدد درب الحياة الزوجية والعائلية.

إن حب يسوع، الذي بارك وكرّس اتحاد الأزواج، قادر على الحفاظ على حبهم وتجديده عندما يضيع ويتمزّق وينفد. إن حب المسيح قادر على أن يعيد للأزواج فرح السير معاً، لأن هذا هو الزواج: إنه مسيرة مشتركة بين رجل وامرأة، يترتب فيها على الرجل أن يساعد زوجته على أن تكون أكثر أنوثة، كما يتعين على المرأة أن تساعد زوجها على أن يكون أكثر رجولة.

هذا هو واجبكم! إنه تبادل الإختلافات والفروقات. إنها ليست مسيرة سهلة، خالية من التصارع، وإلا لا يكون الأمر بشرياً! إنها رحلة مُلزمة، تكون أحيانا صعبة، أو حتى مفعمة بالصراع، لكن هذه هي الحياة!

ختاماً أكد البابا أنه من الطبيعي أن يتعارك الزوج والزوجة، هذا يحصل أحيانا، لكن لا بد ألا تغيب شمس ذلك النهار، قبل أن يتصالحا! وهكذا تستمر المسيرة! الزواج هو رمز الحياة، الحياة الواقعية، وهو ليس من نسيج الخيال! إنها سرّ محبة المسيح والكنيسة، محبة تتحقق في الصليب وتجد فيه ضمانتها. هذا ثم تمنى البابا للأزواج الجدد حياة خصبة، ينمو في كنفها الحب الزوجي وتتسم بالسعادة، سائلاً الرّبّ أن يباركهم!

في ختام الاحتفال بالذبيحة الإلهية تلا البابا فرنسيس كعادته ظهر كل أحد صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين. سلط البابا الضوء على معنى عيد ارتفاع الصليب لافتاً إلى أننا نرفع في هذه المناسبة صليب يسوع، لأن من خلاله تجلّت محبة الله القصوى للبشرية. لقد وهبنا الله الآب ابنه ليخلصنا، وهذا ما تطلب موت يسوع على الصليب.

وقد حصل هذا الأمر بسبب خطورة الشرّ الذي كان يستعبدنا. لقد عبّر الصليب عن القوة السلبية للشرّ وعن قدرة رحمة الله في الآن معاً. بدا الصليب وكأنه فشل يسوع، لكنه في الواقع رمز انتصاره. عندما نوجّه أنظارنا نحو الصليب – تابع البابا يقول – نتأمل بعلامة محبة الله اللامتناهية حيال كل واحد منا، ونتأمل أيضا بجذور خلاصنا. من هذا الصليب شعّت رحمة الآب التي عانقت العالم بأسره. صليب يسوع هو رجاؤنا الوحيد، ولهذا السبب "ترفع" الكنيسة الصليب المقدس.

بعدها قال البابا فرنسيس: إذ نتأمل بالصليب ونحتفل بهذا العيد، نتذكر بتأثر أخوتنا وأخواتنا الكثيرين المضطهدين والذين يُقتلون بسبب أمانتهم للمسيح. وهذا ما يحصل بنوع خاص حيث الحرية الدينية ليست مضمونة أو لم تُطبق بالكامل. كما يحصل أيضا في دول وبيئات تدافع من حيث المبدأ عن الحرية وحقوق الإنسان لكن في الواقع يخضع المؤمنون، لاسيما المسيحيون منهم، إلى قيود أو حالات من التمييز. لهذا نتذكر هؤلاء الأشخاص في هذا اليوم، ونصلّي من أجلهم.

بعد تلاوة صلاة التبشير الملائكي لفت البابا إلى أنه غدا ستبدأ مهام بعثة مجلس الأمن الدولي في جمهورية أفريقيا الوسطى الهادفة إلى تعزيز المسيرة السلمية وحماية السكان المدنيين الذين يعانون بشدة من تبعات الصراع الدائر. وشجع البابا للمناسبة جهود الجماعة الدولية الهادفة إلى مساعدة أهالي أفريقيا الوسطى. وتمنى أن يفسح العنف المجال أمام الحوار، وأن تتخلى التيارات السياسية المتخاصمة عن المصالح الخاصة وتعمل على تمكين كل مواطن – بغض النظر عن انتمائه العرقي والديني – من التعاون من أجل بناء الخير المشترك. فليرافق الرّبّ هذا العمل من أجل إحلال السلام!

هذا ثم تطرق البابا إلى زيارته يوم أمس إلى المقبرة العسكرية في ريديبلوليا وقال: ذهبت بالأمس إلى ريبديبوليا، حيث صليت على نية ضحايا الحرب العالمية الأولى وهي أعداد مخيفة. يُحكى عن 8 ملايين من الجنود الشباب الذين قُتلوا ناهيك عن سبعة ملايين مدني تقريبا. هذا يُفهمنا مدى جنون الحرب! الحرب جنون لم تتعلم منه البشرية أي درس إذ وقعت بعدها حرب عالمية ثانية فضلا عن حروب كثيرة ما تزال تدور اليوم. متى سنتعلم هذا الدرس! أدعو الجميع للنظر إلى المسيح المصلوب ليفهموا أن الغفران والخير ينتصران على الحقد والشر وأن الرد من خلال الحرب يزيد من حجم الشر والموت!

إذاعة الفاتيكان