الصليب مجد للمسيح المصلوب(1) «أضواء

في 14 ايلول تحتفل الكنيسة بعيد ارتفاع الصليب او عيد رفع الصليب المحيي. والصليب هو أحد الأركان الأساسية الذي يذكِّرنا بخلاصنا. لقد مات يسوع مصلوباً، فتحوّل الصليب من اداة عذاب الى أداة للفداء. إنه لم يعد عاراً، بل أصبح عنواناً للمجد للمسيح ثم للمسيحيين. وهذا ما اوحى به يسوع لنقوديموس وهو أحد اعضاء مجلس الاعلى لليهود( السنهدريم)، كان يسكن في اورشليم وقد جذبته شخصية يسوع ومعجزاته فآمن به.

اولاً: الصليب مجد للمسيح المصلوب:
يروي لنا انجيل يوحنا (3: 13- 17) أن يسوع كشف عن سرّ المصلوب و تمجيده بالصليب لنقوديموس.

"فما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلاَّ الذي نَزَلَ مِنَ السَّماء وهو ابنُ الإِنسان": ذكر يوحنا ان لقب المصلوب هو ابن الانسان وفقا لما جاء في نبوءة دانيال مشيراً الى " اصل يسوع السماوي" أي بنوّة يسوع الالهية ويشدد يوحنا على هذا الوحي عندما يقول "نزل من السماء". فالسماء هي وطنه الحقيقي. والله هو بيئته الحقيقية.

"وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان". وضَّح يوحنا الإنجيلي رفع ابن الانسان على الصليب بحادثة "الحية النحاسية" من العهد القديم .( العدد 21: 8-9) كما حوّل العبرانيون المشرفون على الموت عيونهم الى الحيّة النحاسية ونالوا الحياة، هكذا الناس الذين تحت دينونة الخطيئة ينالون الحياة والشفاء بواسطة المخلص المرفوع على خشبة الصليب.

الحيَّة النحاسية التي رفعها موسى في البرية كانت شفاء للمرضى الملدوغين الذين ينظرون اليها بإيمان. كذلك " إبنُ الإِنسان " المرفوع على الصليب هو شفاء من لدغة الخطيئة القاتلة لكل من  ينظر اليه بإيمان. إن يسوع المسيح اختار الصليب الذي كان يعتبر أداة خزي وعار وعقاب للصوص والمجرمين ، وحوّله بذلك إلى أداة فخر وعز وخلاص للبشرية: "وإنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليَّ الناس أجمعين". في الصليب ومنه وبه جوهر خلاصنا.

لو لم يكن الصليب، لما صُلب المسيح. لو لم يكن الصليب، لما تدفقت ينابيع الحياة، دماً وماءً من جنب المصلوب لتطهّر العالم. لولا الصليب لما هُزم الموت. هذا هو المجد الذي كان له على الصليب " الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه وإِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه "فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ قليلٍ يُمَجِّدُه". (يوحنا 13: 31-32).

فأصبح الصليب مكان تمجيد يسوع وموضع ارتفاعه في المجد  . وهذه هي رفعة الصليب ايضا. يقول القديس يوحنا "وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين". يوضح ذلك انجيل يوحنا بقوله بفعل "رفع " إبن الإنسان،، كحية نحاسية، علامة للخلاص (يو3: 14) وهي نفس اللفظ الذي كان يشير إلى "رفع" يسوع إلى السماء (أعمال 2: 33).

"لِتَكونَ بهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن": يضع الانسان ثقته وإيمانه في يسوع المصلوب. وهذا الايمان يرتبط بالحياة الابدية التي هي حياة من الصداقة مع الله، تبدأ على الارض وتدوم الى الابد. ان الحياة الابدية ليست امتدادا لحياة الانسان البائسة الفانية. فالحياة الابدية هي حياة الله (افسس 4: 18) المتجسدة في المسيح(يوحنا 14: 6) والمعطاة الآن لكل المؤمنين كضمان لكونهم سيعيشون إلى الابد.

وليس في تلك الحياة موت ولا مرض ولا أعداء ولا شر ولا خطيئة. لكن هذه الحياة في الحقيقة، ليست سوى مقدمة للأبدية. الحياة هي أكبر ثروة يستطيع الانسان أن يمتلكها. لقد وهب الله حياته للبشر.

"فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة" : يتركز الانجيل كله في هذه الآية، فالحب الحقيقي ليس ذاتي التمركز لكنه يسعى الى الآخرين ويصل اليهم ويجذبهم.

إن الله يقدم هنا نموذج الحب الحقيقي اساس كل علاقات المحبة. فان كنت تحب إنسانا بشدة، تجد نفسك مستعداً ان تدفع ثمن محبته لك. إلهنا هو الإله الذي "يحب" فهو إله وأب في آن واحد. الله اظهر حبه بشكل خاص على الجلجلة في القدس لما جاد بإبنه الوحيد يسوع المسيح.

وتذكرنا هذه الحادثة بذبيحة اسحق (تكوين 22/16). يسوع هو عطية الله، بل هو أثمن عطية وهبها الله للبشر. وقد دفع الله الثمن حياة ابنه، اغلى ثمن يمكن ان يدفعه. وقد قبل يسوع عنا عقابنا ودفع ثمن خطايانا. فالله هو إله خلاص، ولا يريد موت الخاطئ.....(تابع)

موقع Aleteia