المؤتمر الدولي للمكرسين الشباب «متفرقات
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في قاعة بولس السّادس بالفاتيكان المُشاركين في المؤتمر الدّوليّ للمكرّسين الشباب وبعد أن استمع الأب الأقدس إلى ثلاثة أسئلة طرحها عليه بعض المشاركين حول الدّعوة والحياة المُكرسّة والمشاكل التي تواجهها في عالم اليوم ألقى البابا كلمة استهلّها مُرحِّبًا بضيوفه وتابع من ثمّ مُجيبًا على أسئلتهم وأكّد أنَّ هُناك مشكلة كبيرة جدًّا اليوم وهي الرّاحة في الحياة المكرّسة، إذ نقوم بما ينبغي علينا فعله لنريح ضميرنا ونُطبّق الوصايا لكي لا يُقال عنّا بأنّنا نُخالف...
لكن القدّيسة تريزيا ليسوع كانت تقول إنّ تطبيق القوانين القاسي والمُتشدّد يحرمنا حريّتنا، وهي كانت امرأة حرّة، لدرجة أنّها واجهت المحاكمة... هناك حريّة تأتي من الرّوح وحريّة تأتي من العالم. والرّبّ يدعوكم لعيش الحريّة النبويّة: أي الحريّة التي تقترن بالشّهادة والأمانة. والأمّ التي تربّي أبناءها على القساوة والتشدّد لا تسمح لأبنائها بالنموّ وتحرمهم من مستقبلٍ خلّاق ومُبدع لأنّ أولادها سيكونون عقيمين.
حتّى الحياة المُكرّسة يُمكنها أن تصبح عقيمة عندما تفقد نبويّتها، أي عندما تمنعنا من أن نحلم. لنفكّر بالقدّيسة تريزيا الطفل يسوع التي عاشت داخل حصن الدّير. لكنّ تلك الرّاهبة الصغيرة كانت تحلم، لم تفقد يومًا قدرتها على الأحلام ولم تُغلق أبدًا آفاقها! وها هي اليوم شفيعة الرّسالة والمُرسلين، إنّها شفيعة آفاق الكنيسة. النبوّة هي القدرة على الحلم وهي عكس القساوة والتشدّد تمامًا. والقساة والمُتشدّدين هم أشخاص غير قادرين على أن يحلموا. لنفكّر بكلّ تلك الأشياء الجميلة التي يقولها يسوع عن قساة ومتشدّدي عصره، لمكرّسي زمنه، في الفصل الثالث والعشرين للقدّيس متّى... وبالتالي فعيش القوانين لا ينبغي أن يكون تشدّدًا، لأنّ التشدّد هو فقط أنانيّة شخصيّة وهو أسلوب من يسعى ليظهر نفسه أفضل وأقدس من الآخرين.
وكيف يمكننا أن نتوب عن هذه المواقف؟ تابع الحبر الأعظم مُتسائلاً، بواسطة قلب مفتوح على كلّ ما يقوله الرّبّ لنا، وبالانفتاح بالحوار مع المسؤولين أم المعلّمين الرّوحيّين: إذًا انفتاح وقلب مفتوح وحوار جماعيّ! قد يقول لي البعض: "لكن يا أبتِ نحن لا يمكننا أن نتحاور لأنّنا في كل مرّة نحاول أن نتحاور ينتهي بنا الأمر في جدال وخلاف"؛ ليس هناك من مشكلة! حتى بطرس وبولس ويعقوب قد اختلفوا فيما بينهم في بدايات الكنيسة – اقرؤوا أعمال الرّسل – لقد اختلفوا بقوّة! ولكنّهم كانوا منفتحين على الرّوح القدس لدرجة أنّهم كانوا يملكون القدرة على مسامحة بعضهم البعض.
سأقول لكم الآن كلامًا يصعب قبوله لكنّني أكلّمكم بصدق: إنّ إحدى الخطايا التي غالبًا ما نجدها في الحياة الجماعيّة هي عدم القدرة على المسامحة بين الإخوة أو الأخوات. فيصار إلى الإنتقام وهذا الأمر يؤذي الآخر! فالثرثرة في الجماعة تمنع المسامحة وتساهم في إبعاد الأشخاص عن بعضهم البعض. الثرثرة خطيئة! لا بل هي إرهاب أيضًا! لأنّ الذي يثرثر هو كمن يرمي قنبلة على سيط الآخر فيدمِّره بدون أن يتمكن ذلك الأخير من الدّفاع عن نفسه، لأنّ مَن يُثرثر، يُثرثر على الدّوام في الظلمة. لكن إن كان لديك أمر ضدّ أخاك إذهب إليه... لكن صلّي أوَّلاً وهدّئ نفسك وروحك قبل أن تكلّمه... لكن لا تستعمل أبدًا قنابل الثرثرة لأنّها كالطاعون في الحياة الجماعيّة!
أضاف البابا فرنسيس يقول لقد تحدَّثت سارا في سؤالها عن عدم الثبات في اتّباعنا ليسوع. بالطبع فقد وُجدت دائمًا مراحل عدم الثبات هذه منذ بدايات الحياة المكرّسة وحتى يومنا هذا وهي تسمّى تجارب، وهذه التّجارب سنواجهها على الدّوام! لقد كانت القدّيسة تريزيا الطفل يسوع تقول إنّه ينبغي علينا أن نكثّف الصّلوات من أجل الذين ينازعون، لأنّها مرحلة تتميّز بعدم ثبات كبير لأنّ التجارب تشتّدُ كثيرًا في هذه المرحلة. وثقافيًّا نحن نعيش اليوم مرحلة غير ثابتة، حتى الزمن يبدو جزئيّ لأنّنا نعيش حضارة المؤقت والمرحليّ. لقد أصبحت هذه الحضارة حضارتنا.
حتى في الزواج "نعم نتزوّج ولكن إلى أن يدوم الحبّ! وعندما ينتهي الحبّ إلى اللّقاء ويعود كلّ إلى بيته"، وهذه الحضارة وللأسف قد دخلت الكنيسة أيضًا والجماعات الرّهبانيّة... لكنَّ ثقافة الأبديّ والدائم تُعلّمنا أن الله قد أرسل ابنه للأبد! لم يرسله مؤقتًا، لمرحلة معيّنة أو لجيل معيّن أو بلد معيّن وإنّما للجميع وإلى الأبد! وهذا هو المعيار للتّمييز الروحيّ في حياتنا!
تابع الأب الأقدس يقول لقد تحدّثت ماري جاسينتا في سؤالها عن البشارة. تلك البشارة التي تلهب القلب: أي الرّغبة في البشارة، إنّه الحماس الرسوليّ. إنّ البشارة قبل كلّ شيء هي أن نشهد بأنّ يسوع المسيح حيّ! وكيف يمكنني أن أُقدِّم هذه الشهادة؟ من خلال حياتي؛ يمكنني أن أدرس وأتبع محاضرات عن البشارة، لكن القدرة على إشعال القلوب تأتي من القلب المُتِّقِد فقط! فإن كان قلبُك يتَّقِدُ حبًّا ليسوع المسيح ستكون عندها مبشِّرًا حقيقيًّا! واسمحوا لي في هذا الإطار أن أشكر المكرّسات على الشهادة التي يقدِّمنها.
أنتنَّ تملكن هذه الرّغبة الجامحة بحمل البشارة وبالسّير في المُقدِّمة وذلك لأنَّكُنَ أمّهات وتحملن في داخلكنَّ أمومة الكنيسة التي تجعلكّن قريبات من الأشخاص! فلا تفقُدن هذه الأمومة، لأنّ الرّاهبة هي أيقونة للأمّ الكنيسة وللأمّ العذراء مريم! أنتنَّ أيقونة حنان الكنيسة ومحبّتها وأمومتها!
أضاف الحبر الأعظم يقول أمّا أنت يا بيار فقد تحدّثت عن اتّباع يسوع عن كثب وبشكل أقرب! إنّه القرب النبويّ، وقد تحدثت عن النبويّة سابقـًا. لكن هناك كلمة أخرى وهي أيضًا جوهريّة في الحياة المكرّسة وهي كلمة ذكرى، وبالتالي هي كلمات ثلاث نبوّة، قرب وذكرى. وهذا القرب ينبغي أن يكون قربًا من بعضكم البعض وقربًا من الآخرين، أي شعب الله. لا تنسوا هذا الأمر أبدًا. والكنيسة تشكركم على هذه الشّهادة الجميلة التي تقدّمونها من خلال قربكم من الأشخاص ومشاكلهم. أمّا الكلمة الأساسيّة الأخيرة فهي الذكرى.
أفكر بيعقوب ويوحنّا – وكذلك الرّسل الآخرين – اللذين لم ينسيا أبدًا لقاءهما الأوّل مع يسوع. إنّ ذكرى اللّقاء الأوّل مع يسوع هي ذكرى دعوتنا. وفي الأوقات المُظلمة والصّعبة وفي أوقات التجارب في حياتنا المكرّسة ينبغي علينا أن نعود إلى المصدر ونتذكّر تلك الدّهشة التي شعرنا بها عندما نظر الرّبُّ إلينا للمرّة الأولى.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد طلبتم منّي أن أشارككم ذكرى لقائي الأوّل وكيف كانت دعوة الحادي والعشرين من أيلول عام 1953، لا أعرف كيف كانت. أعرف فقط أنّني دخلت الكنيسة في ذلك اليوم، وذهبتُ للإعتراف وخرجتُ شخصًا آخر، هناك تبدّلت حياتي! وماذا سحرني وأعجبني في يسوع وإنجيله؟ قربه منّي: فالرّبّ لم يتركني وحيدًا حتى في الأوقات المُظلمة والصّعبة وعندما كنت خاطئًا، بالرّغم من خطيئتي لم يتركني الرّبّ وحيدًا. وهذا الأمر ساعدني جدًا لاسيّما عند الصعوبات لأنّني كنت أتذكر دائمًا لقاء الربّ ومسيرته معي لأن الرّبّ لا يدخل في ثقافة المؤقّت هو يحبّنا إلى الأبد ويرافقنا دائمًا.
وبالتالي أعطيكم نصيحة، خذوا سفر تثنية الإشتراع في الفصل الذي يُذكّر فيه موسى الشّعب بكلّ ما فعله الرّبّ معه، وتذكّروا مسيرة حياتكم، تعلّموا كيف تسردون حياتكم أمام الرّبّ وكيف تفرحون عندما تتذكّرون العظائم التي صنعها في حياتكم!
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أختتم بكلمتين، الأولى وهي إحدى أسوأ المواقف التي قد يعيشها المكرّس وهو الإنعكاس الذاتي أي ذلك الموقف النرجسيّ الذي قد نعيشه وبالتالي أدعوكم للتنبّه من هذا الموقف. تخلوا عن هذه المواقف وتحلّوا بمواقف العبادة لأنّها المواقف التي ستساعدنا لنسير قدمًا، العبادة في الصلاة ورفع الشكر للرّبّ، في طلب النّعم ورفع التسبيح... كونوا على الدوام رجال ونساء عبادة وصلوا من أجلي!