البابا يختتم اللقاء العالمي للعائلات في فيلادلفيا. «متفرقات
ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الرابعة من عصر الأحد السابع والعشرين من أيلول سبتمبر، وبالتوقيت المحلي، القداس الإلهيّ الختامي للقاء العالمي للعائلات في بولفارد بنيامين فرانكلين في فيلادلفيا وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول:
تُدهشنا كلمة الله اليوم بلغة رمزية قويّة تجعلنا نفكّر. صور تُحاكي تفكيرنا وتعابير تُسائلنا وتحرّك حماسنا. في القراءة الأولى (سفر العدد 11/ 25-29) يخبر يشوع بن نون موسى عن رجلين من الشعب يتنبآن ويعلنان كلمة الله دون أي إذن. أما في إنجيل مرقس ( 9/ 38 -48) فيخبر يوحنا يسوع أن التلاميذ قد منعوا رجلاً من أن يطرد الشياطين باسم يسوع. وهنا تأتي المفاجأة: لقد وبّخ موسى ويسوع هؤلاء المعاونين لانغلاق أذهانهم، إذ أنه لا يمانع من أن يكون الجميع أنبياء لكلمة الله.
يسوع يجد عدائية في الأشخاص الذين لم يقبلوا أفعاله وأقواله. أما التلاميذ فلم يقبلوا انفتاح يسوع هذا على الإيمان الصادق للعديد من الأشخاص الذين لا ينتمون إلى شعب الله المختار. لقد تصرفوا بنيّة صادقة، لكن تجربة التعثُّر بسبب حريّة الله، الذي يُنزل المَطَرَ على الأَبرارِ والفُجَّار (راجع متى 5، 45)، والتي تتخطى البيروقراطيات والرسميات والمجموعات المحدودة، تُهدد أصالة الإيمان ولذلك ينبغي نبذها بقوّة.
عندما نفهم هذا الأمر يمكننا عندها أن نفهم قساوة كلمات يسوع حول الشكّ والعثرة. فالشكّ المفرط بالنسبة إلى يسوع هو كل ما يدمّر ويفسد ثقتنا في أسلوب عمل الروح القدس. الله أبانا سخي ويزرع؛ يزرع حضوره في عالمنا لأن "ما تَقومُ عَلَيه المَحَبَّة هو أَنَّه لَسنا نَحنُ أَحبَبْنا الله بل هو أَحَبَّنا" أولاً (1يوحنا 4، 10). ذاك الحبّ الذي يمنحنا ثقةً عميقة: بأنه يبحث عنا وبأنه ينتظرنا. وهذه هي الثقة التي تحمل التلميذ ليشجّع ويرافق وينمّي جميع المبادرات الصالحة التي تقوم حوله.
فالله يريد أن يشارك جميع أبنائه في عيد الإنجيل. لا تُعيقوا ما هو صالح - يقول يسوع - بل على العكس، ساعدوه لينمو. إن التشكيك في عمل الروح القدس، وبأنه غير قادر على العمل في الأشخاص الذين لا ينتمون لمجموعتنا، هو تجربة خطيرة، ويشكّل انحرافًا في الإيمان.
الإيمان يفتح "نافذة" على حضور الروح القدس العامل ويُظهر لنا أن الفرح والقداسة مرتبطين على الدوام بالتصرفات الصغيرة، كما يقول يسوع "مَن سقاكُم كَأسَ ماءٍ على أَنَّكم لِلمَسيح، فالحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ أَجرَه لَن يَضيع". إنها تصرفات صغيرة يتعلمها المرء في البيت، تصرفات عائليّة تضيع في غفليّة الحياة اليوميّة ولكنها تجعل كل يوم مختلف عن الآخر. إنها تصرفات حنان ومحبة، والحب يظهر في الأمور الصغيرة، في الانتباه على التفاصيل اليومية التي تعطي الحياة على الدوام نكهة البيت. والإيمان ينمو عندما يُعاش في الحب ويُطبع به، ولذلك تشكل عائلاتنا وبيوتنا كنائس بيتية حقيقيّة: إنها المكان الأنسب لكي يُصبح الإيمان حياة وتصبح الحياة إيمانًا.
يسوع يدعونا لعدم إعاقة هذه التصرفات الصغيرة، لا بل يريدنا أن نسببها وننميها ونرافق الحياة كما هي مولّدين في الجميع تصرفات حب صغيرة وعلامات لحضوره الحيّ والعامل في عالمنا. وهذا الموقف الذي دعينا للتحلّي به يدفعنا لنسأل أنفسنا: كيف نعمل لعيش هذا المنطق في عائلاتنا ومجتمعاتنا؟ ما هو نوع العالم الذي نريد أن نتركه لأولادنا؟ لا يمكننا أن نجيب وحدنا على هذه الأسئلة. الروح القدس هو الذي يدعونا ويتحدانا للإجابة عليها مع العائلة البشرية الكبيرة لأن بيتنا المشترك لا يمكنه أن يتحمّل انقسامات عقيمة بعد الآن. ليجد أبناؤنا فينا مرجِعًا للشركة وليجدوا فينا أشخاصًا قادرين على المشاركة مع الآخرين لكي يُزهر كل الخير الذي زرعه الآب.
يقول لنا يسوع بشكل مباشر: "إِذا كُنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَن تُعطوا العَطايا الصَّالِحَةَ لأَبنائِكم، فما أَولى أَباكُمُ السَّماوِيَّ بِأَن يهَبَ الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذينَ يسأَلونَه" (لوقا 11، 13). كم هي حكيمة هذه الكلمات! فيسوع يعرف أن قدرتنا في السخاء على الأطفال لا تعرف الحدود ولذلك يشجّعنا أنه إن كنا نملك إيمانًا كافيًا فسيمنحنا الآب روحه. نحن المسيحيين، تلاميذ الرّبّ، نطلب من عائلات العالم أن يساعدوننا. واليوم نشارك عديدين في هذا الإحتفال وهذا الأمر هو نبوي في ذاته، نوع من المعجزة في عالم اليوم. ليتنا جميعًا أنبياء! وليت بإمكان كل فرد منا أن ينفتح على معجزات الحبّ من أجل خير جميع عائلات العالم فنتمكن هكذا من تخطّي عثرة حب تعيس ومحبط، منغلق على ذاته وغير صبور مع الآخرين!
كم سيكون جميلاً إن تمكنّا من تشجيع وتقدير هذه النبؤة وهذه المعجزة في كل مكان! لنجدِّد إيماننا بكلمة الرّبّ الذي يدعو عائلاتنا لهذا الانفتاح؛ الذي يدعو الجميع للمشاركة في نبؤة العهد بين رجل وامرأة، الذي يولّد حياة ويُظهر الله. إن كل شخص يرغب بأن يؤسس في هذا العالم عائلة تعلّم الأبناء أن يفرحوا بكل عمل يتغلب على الشرّ – عائلة تظهر أن الروح القدس حيّ ويعمل – سيلقى امتناننا وتقديرنا مهما كان انتماؤه العرقي أو الديني. ليمنحنا الرّبّ جميعًا، كوننا تلاميذ للرّبّ، نعمة أن نكون أهلاً لنقاوة القلب هذه التي لا تتعثر بسبب الإنجيل.
وفي ختام الذبيحة الإلهيّة أعلن رئيس المجلس البابوي للعائلات المطران فينشنزو باليا أن اللقاء العالمي التاسع للعائلات سيكون في مدينة دبلن في ايرلندا عام 2018 .
إذاعة الفاتيكان.