في الصَّمتِ المُقدّس «القوت اليومي

 

 

في الصَّمتِ المُقدّس

 

 

الضَّرورَةُ تُلجِئُ الذين يَهتمُّون بخلاصِ أنفُسِهِم، ويتَشَوّقون لِمَحبَّةِ رَبِّنا ولتَكميلِ وَصاياهُ المُقدّسة، أنْ يتدرَّبوا على السُّكوتِ كُلُّ واحِدٍ حسَبَ قُدرتِه.

 

ما وُجِدَتْ غِبطَة في الفضائِل، مِثلُ أنْ يَهدأ الإنسانُ ويَكُفَّ عَنْ جَميعِ الأعمال، ويَصمُتَ عَن كُلِّ حديث. أمّا كَمالُ هذا العمَل، فهو مُخفىً عَنْ مَعرِفةِ الكثيرين.

إذا انقطَعَ الإنسانُ عَنْ كثرَةِ الحَديثِ معَ النّاسِ، فهوَ يَرْجِعُ إلى ذاتِهِ، ويُقوِّمُ تَدبيرَ سيرَتِهِ حسناً أمامَ الله.

 

كُلُّ تَدبيرٍ لهُ تَمهيدٌ بتَدبيرٍ يَسبِقُهُ. فالصَّلاةُ لا بُدَّ أنْ يَسبِقها خُلوَةٌ، والخَلوَةُ رفضُ العالم.

كُلُّ إنسانٍ لم يتمرَّسْ طويلا ً في السُّكون، لا تَرجو أنْ تَتَعلّمَ مِنهُ شيئاً عنِ الأمورِ المُختَصَّةِ بالمَلكوت، ولو كان حَكيماً ومُعلّماً ولهُ كثرةُ أعمال.

 

كُلُّ مَنْ هُوَ كثيرُ الكلام، حتّى ولو كان عالِماً بأمورٍ كثيرة، إعلمْ أنَهُ فارِغ ٌ مِنْ داخِل.

إنْ كُنتَ مُحِبّاً لِلحَقّ، كُنْ مُحِبّاً لِلصَّمت. فالصَّمتُ يجعلـُكَ تُنيرُ كالشَّمس، ويُنقّيكَ مِن عدمِ المعرفة.

 أليومُ الذي لا تجلِسُ فيه ساعة ً معَ نفسِكَ، وتُفكّرُ في أيِّ شيءٍ أخطأتَ، وبأيِّ أمرٍ سقطتَ، وتُقوِّمُ نفسَكَ، لا تَحسِبْهُ مِن عَدَدِ أيّامِ حياتِكَ.

 

 أحِبَّ السُّكوتَ يا أخي، لأنَّ فيهِ حياةً لِنَفسِكَ. بالسُّكونِ تَرى ذاتَكَ، وخارِجاً عنِ السُّكونِ لا تَرى إلّا ما هُوَ خارِجٌ عنكَ. وما دُمتَ تنظرُ غَيرَكَ فلن تنظـُرَ نفسَكَ.

 

الفرقُ بين حِكمَةِ الرُّوحِ وحِكمَةِ العقل، أنَّ الأولى تقودُكَ إلى الصَّمتِ والثانيَة تَدفعُكَ إلى التَّبجُّح. والصَّمتُ الحَكيمُ يَقودوكَ إلى الاتّـِضاعِ، أمّا التّبَجُّحُ والعِناد، فيقودانِكَ إلى الصَّلفِ والكِبرياء.

 

 إذا كان لِسانُكَ يَغلِبُكَ، فصدّقني أنّكَ لن تَقدِرَ أنْ تَتَحرَّرَ من الظـُّلمَةِ التي تُحيط ُ بِكَ.

 الإنسانُ الذي يُطلِقُ لِسانَهُ على النّاسِ بالجَيِّد والرَّدِيء، لا يُؤهَّلُ لِنِعمَةِ الله.

 

 إذا أرَدْتَ أنْ تعرِفَ رَجُلَ الله: إستَدِلَّ عليهِ مِن دوامِ سُكوتِهِ.

 

 

 مِنْ أقوالِ مارِ إسحَقَ السُّريانيّ (أوخر القرن السّابع).