رسالتك في الحياة (3) «أضواء
اجذبوهم بالعمل لا بالكلام
السماع لا يفيد شيئًا ما لم يصحبه التنفيذ، بل يجعل دينونتنا أشد.
أسمع ما يقوله السيد المسيح "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية. وأما الأنبياء فليس لهم عذر في خطيتهم" (يو 15: 22) ويقول الرسول "لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله" (رو 12: 13).
هذا قيل من أجل السامعين، ولكن أراد الرب أن يعلم المعلمين أنهم لا ينتفعون من تعليمهم شيئًا ما لم تنطبق تعاليمهم مع سلوكهم، وكلماتهم مع حياتهم... إذ يقول النبي "وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضت (التعليم)" (مز 49: 16-17) ويقول الرسول "وتثق إنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة ومهذب للأغبياء ومعلم للأطفال ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذًا الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك؟!" (رو 2: 19-21)...
لهذا ليت شغفنا لا يكون متزايدًا إلى مجرد الاستماع، فإنه بالحق حسن جدًا أن نقضي وقتنا دائمًا في الاستماع للتعالم الإلهية، لكنها لا تفيدنا شيئًا إن لم ترتبط بالرغبة في الانتفاع منها.
من أجل هذا لا تجتمعوا هنا باطلاً. بل لا أكف عن أن أتوسل إليكم بكل غيرة كما كنت أفعل من قبل قائلاً: "تعالوا بإخوتكم إلى هنا. أرشدوا إلى هنا. أرشدوا الضالين. علموهم بالعمل لا بالكلام فقط".
هذا هو التعليم ذو السلطان، الذي يأتي خلال سلوكنا وأعمالنا. فإنك و إن كنت لا تنطق بكلمة، لكنك بعد ما تخرج من هنا تعلن للبشر الذين تخلفوا عن الربح الذي اقتنيته ههنا وذلك بواسطة طلعتك ونظراتك وصوتك وكل تصرفاتك. وهذا كافٍ لإرشاد والنصح.
يلزمنا أن نخرج من هذا الموضع كما يليق بمكان مقدس، كأناس نازلين من السماء عينيها، وقورين وحكماء، ناطقين وصانعين كل شيءٍ بلياقة.
فعندما ترى الزوجة رجلها آتيًا من الاجتماع، والأب ابنه، والصديق صديقه، والعدو عدوه ، يرون فيهم أثار البركات التي تمتعوا بها. فيدركون إنكم قد صرتم ودعاء وأكثر حكمة وإتزانًا.
تأملوا أي امتيازات تتمتعون بها خلال الأسرار المقدسة؟! علموا الذين "هم من خارج" أنكم في صحبة طغمة السارافيم، محسوبين مع السمائيين، معدين في صفوف الملائكة، حيث تتحدثون مع الرب وتكونون في صحبة السيد المسيح.
فإن تهيأت نفوسكم هكذا، فلا حاجة إلى ما ننطق به مع من تخلفوا عن الحضور، لأنهم يرون ما نلناه، ويلمسون خسارتهم، فيسرعون للحضور ليتمتعوا مثلنا.
إنهم يحثون بجمال نفوسكم المتلألئة، تلتهب قلوبهم بمظهرنا الصالح مهما كانوا أغبياء، لأنه إن كان جمال الجسد يغري ناظره، فكم بالحري يهز جمال النفس وتناسقها ناظرها، وتجذبه لتكون له نفس الغيرة؟!
إذًا فلنزين إنساننا الداخلي، ولنفكر فيما يقال ههنا عندما نخرج... لأنه إن كان المصارع يصارع حسبما تدرب عليه في مدارس المصارعة، إلا أننا نحن في تعاملنا مع العالم لم نستخدم ما نسمعه ههنا!!
اجذبوهم بالحب
تذكروا ما يقال لكم، حتى عندما تخرجون ويلقى الشيطان يديه عليكم عن طريق الغضب أو المجد الباطل أو أي شهوة أخرى، فإنه بتذكركم ما تعلمتموه هنا تقدرون أن تفلتوا من قبضته الشريرة بسهولة.
ألا ترون كيف أن المتمرنين حسنًا، بعد ممارستهم المصارعة زمنًا طويلاً وقد أعفوا منها بسبب كبر سنهم، يجلسون خارج الحلبة وينادون من يعلمونهم قائلين هكذا "أمسك يده، أسحب رجله، أضغط على ظهره، وما إلى غير ذلك من التوجيهات"...
أليسوا بهذا يقدمون خدمة عظيمة لتلاميذهم؟! وأنتم أيضًا تطلعوا إلى مدربكم - بولس الطوباوي -الذي بعدما نال نصرات كثيرة، يجلس خارج الحدود – أي هذه الحياة الزمنية - ويصرخ إلينا برسائله. فإذ يرانا في غضبٍ أو مستائين مما يلحقنا من الأضرار يقول: "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فأسقيه" (رو 12: 20).
وصية جميلة خاصة بالحكمة الروحية، نافعة لمنفذها وللمستفيدين بها! لكن بقية النص يثير حيرة عظيمة ويبدو كأنه غير متفق مع نية ناطق الكلمات السابقة... إذ يقول: "لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه".
بهذه الكلمات الأخيرة يصيب الفاعل والمستفيد شرًا. الأخير لأنه توضع على رأسه جمر نار .. فما المنفعة له من الطعام والشراب إن كان يجمع على رأسه جمر نار؟!.. أما مقدم المنفعة فهو أيضًا يصيبه ضررًا بطريق آخر، لأنه أي فائدة يجتنيها من صنعه الخير لعدوه إن فعل هذا بقصد جمع جمر نار على رأسه؟! إذ لا يكون بهذا رحومًا ومترفقًا بل قاسيًا ومتوحشًا.
فما هو الحل؟...
عظة للقديس يوحنا الذهبي الفم(+407)